الاثنين، 9 أبريل 2012

أشعر أني مواطن ..شكرا للدرك


        سيدي محمد ولد بلعمش
شقيقتي " خدي " ـ شفاها الله ـ تمر بحالة صحية حرجة تستدعى إحالتها من مدينة أطار وفق طرق الاستعجال إلي الأخصائيين في نواكشوط ، في ذلك الوقت كانت سيارة الإسعاف الوحيدة بأطار قد غادرت قبل قليل بمريض إلي نواكشوط ، نحاول جهدنا الحصول على سيارة إسعاف أخرى من أي مكان و بأسرع وقت ، في مثل هذه الحالات الخاصة يقبل القائمون على مستشفى الأخوة بشنقيط الممول إسبانيا المدار موريتانيا يقبلون بإعارة سيارتهم ، تأتي سيارة إسعاف شنقيط لإنقاذ هذه "الشنقيطية " و نغادر أطار في ساعات الصباح الأولى بعد إكمال الإجراءات ، كنت أحاول من خلال أحاديث مصطنعة مع السائق حول حالة السكان في شنقيط و مع الممرضة حول ظروف الممرضين في البلد إخفاء قلقي و المساعدة في تحسين الحالة النفسية لأختي المريضة و المرافقين .
و ما إن تجاوزنا مدينة أكجوجت باتجاه نواكشوط حتى أصبحنا نشعر بثقل الطريق المعبد بالحجارة المكسرة و الزيت المستخدم الذي تحاول شركة MCM خداعنا به ، من خلال زعمها تعبيد 30 كلم كل سنة ، تعويضا للضرر الذي تلحقه شاحناتها العملاقة بالطريق ، و بسرعة أفسدت تلك الحجارة المدعوة وفق تعبير الشركة "طريقا معبدا"، أفسدت إحدى عجلاتنا ، أتحول بسرعة إلي مساعد جيد للسائق في تبديل العجلة المتعطلة ، حدث كل شيء بسرعة و شعرت بالنصر للحظات قبل أن يتبين أن العجلة التي أبدلنا بها متعطلة هي الأخرى !.. أوف ، يا الله ..، أخاطب السائق :هل توجد لديك أدوات لإصلاح العجلات ؟ لا توجد ! و لا يوجد لدي أيضا وسيلة لنفخه حتى و لو أصلحناه ! ، ألا لعنة الله عليك من سيارة إسعاف هي أمس الحاجة للإسعاف ، تمر بي في دقيقة واحدة مئات الهواجس و الخواطر ، حول السيارة ، حول السائق ، حول الذين أرسلوها لنا ، هل كانوا على علم بحالتها ، ثم الأهم أفكر في الحالة الصحية لأصغر فرد في عائلتي فكل دقيقة تمر كانت مهمة ، و الأدهى أن أبناء بلدي كانوا يمرون عليَ دون توقف و هم يشاهدون ما أنا فيه ، أتذكر سيارة من نوع هليكس حديثة تحمل اللوحة TT07149 ،و مع ذلك توقف عدد من الطيبين لكن لم يكن لديهم حل لوضعيتنا ، سائق أحد باصات النقل ( طريق السلام ) يتوقف من تلقاء نفسه يبدي كامل الإستعداد و يمتنع عن المغادرة يحاول تزويدي برقم هاتف الدرك الذين يبعدون منا 5 كلم ، و تحديدا في الكلم 50 من أكجوجت ، نتصل بفرقة الدرك ، نشرح وضعنا ، الإجابة كانت سريعة: قادمون إليكم ، كنت أرقب إتجاههم كما أرقب المخلص ، و ما هي إلا دقائق قليلة حتى وصل الدركيان كان كل منهما ربعة بين القصر و الطول، أسمري اللون ،قد تجاوزا الأربعين بقليل ، جهوريي الصوت ، كأنما كل واحد منهما نسخة من الآخر ، بديا قائدين أمام ناظري في نفاذية الأوامر ، في إحترامهما ، في التأهب ، في البذلة و حتى في النظرات ...
و بسرعة البرق أجدني أمام صف من السيارات في حدود العشرة وضعها الدرك تحت تصرفي ، كان أمر الدرك بتحويل أحد الباصات إلي سيارة إسعاف و توزيع ركابه على بقية السيارات ، إختار الشاب اللبق سائق الباص الذي بقي معي أن نرافقه ، كان كل شيء يجري بسرعة كما أريد ، تم تحويل السرير برفق ، ركبت الممرضة و ركبنا ،و أنا أصعد إلي الباص ـ سيارة الإسعاف الجديدة ـ أحاول التعرف على الدركيين بطريقتنا التقليدية ، رفضا نهائيا ، قالا لي : نحن هنا من أجل أي مواطن ، و الذي نقوم به هو الواجب ، و لا نحتاج ردا لجميلنا .
من أجل أي مواطن ... ياللفخر ، في تلك اللحظة شعرت بفخر لم يسبق لمثله أن اعتراني ،.. أنا مواطن إذا أنا موجود ...و بدأت أفكر كيف يقوم هؤلاء بالواجب في أحسن صوره ، و يعجز أولئك عن أداءه في أردإ حلله ، .. هل ما زال في وطني مواطنون صالحون و موظفون أوفياء .
ياللفخر .. ياللشرف
لكن المؤسف أن قصتي هذه مع الدرك التي أكتبها على عجل سوف تكون مفاجئة للكثيرين الذين بدؤوا يفقدون الثقة في سلك الدرك و سوف تكون صفحة مشرقة في تاريخ القطاع بعد قصتهم مع الشاعر الكبير أحمدو ولد عبد القادر التي كتبها شعرا "ليلة عند الدرك" ، و قصتهم مع صديقي الشاعر و السينمائي محمد ولد إدوم التي صاغها نثرا قبل عامين .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.